بسم الله الرحمن الرحيم
فهذا نقل لكلام العلامة ابن القيم الجوزية رحمه الله ,حول مسألة سب الدهر وما يترتب عليه من مفاسد من كتابه الماتع زاد المعاد في هدي خير العباد:
قال رحمه الله: في هذا ثلاثُ مفاسد عظيمة.
إحداها: سَبُّه مَنْ ليس بأهلٍ أن يُسَب، فإن الدهرَ خَلْقٌ مُسَخَّرٌ مِن خلق اللَّه، منقادٌ لأمره، مذلَّلٌ لتسخيره، فسابُّه أولى بالذمِّ والسبِّ منه.
الثانية: أن سبَّه متضمِّن للشرك، فإنه إنما سبَّه لظنَّه أنه يضرُّ وينفع، وأنه مع ذلك ظالم قد ضرَّ مَن لا يستحق الضرر، وأعطى مَن لا يستحقُّ العطَاءَ، ورفع مَن لا يستحقُّ الرِّفعة، وحرم مَن لا يستحِقُ الحِرمان، وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة، وأشعارُ هؤلاء الظلمة الخونة في سبِّه كثيرةٌ جداً، وكثيرٌ من الجُهَّال يُصرِّح بلعنه وتقبيحِه.
الثالثة: أن السبَّ منهم إنما يقعُ على مَن فعل هذه الأفعال التي لو اتَّبَعَ الحقُّ فيها أهواءَهم لفسدتِ السماواتُ والأرض، وإذا وقعت أهواؤُهم، حَمِدُوا الدهرَ، وأَثْنَوْا عليه. وفى حقيقةِ الأمر، فَربُّ الدهر تعالى هو المعطى المانِعُ، الخافِضُ الرافعُ، المعزُّ المذِلُّ، والدهرُ ليس له من الأمر شئ، فمسبَّتهم للدهر مسبَّة للَّه عَزَّ وجَلَّ، ولهذا كانت مؤذيَةً للربِّ تعالَى، كما في (الصحيحين) من حديث أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (قالَ اللَّه تَعالَى: يُؤْذِينى ابْنُ آدَمَ ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وأَنَا الدَّهْرُ)، فسابُّ الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما. إما سبُّه لِلَّهِ، أو الشِّركُ به، فإنه إذا اعتقد أن الدهر فاعل مع اللَّه فهو مشرك، وإن اعتقد أن اللَّه وحده هو الذي فعل ذلك وهو يسبُّ مَن فعله، فقد سبَّ اللَّه.
[center]والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته